1- محاضرات مكتوبة

عن ام انس رضي الله عنها وأرضاها قالت: يا رسول الله اوصني.. قال اهجري المعاصي فإنها افضل الهجرة وحافظي على الفرائض فإنها افضل الجهاد وأكثري من ذكر الله فإنكِ لا تأتين الله بشيء احبَ إليه من كثرة ذكره.. وفي رواية واذكري الله كثيراً فإنه احب الاعمال الى الله ان تلقاه بها هذه الوصية وصاها النبي عليه الصلاة والسلام الى ام انس خادم رسول الله ﷺ المسماة بأم سليم رضي الله تعالى عنها وأرضاها هذه المرأة التي احبّت النبي من كل قلبها اتت الى النبي ومعها ولدها انس فقالت يا رسول الله كل من المسلمين قدّم لك هدية فقبلت هديته وليس عندي ما اقدم لك الا خويدمك انس احضرت له.

بحثنا اليوم بتوفيق الله عز وجل سر العبادات كلها وسر الطاعات بأسرها وكل طاعة او عبادة او تقرب الى الله لا يوجد فيه بحث اليوم وحديث اليوم فهو مردود غير مقبول .. فلو تعبد الانسان عبادة اهل الثقلين ولا يوجد فيه بحث اليوم فعبادته متوقفة عن القبول بل عن الارتقاء الى السماء.. بحث اليوم هو سر من اسرار الله .. الله يتفضل فيه على من شاء من خلقه.. هذا البحث يسمى في الاسلام الاخلاص.. الاخلاص ان يتخلص الانسان من كل ميل وحب لغير الله.. وهو تصفية الانسان من الميول الى غير الله .. نأتيكم بمثال.. اللبن الرائب الذي نسميه نحن لبن..

قال معاوية ابن حيدة يا رسول الله اخبرني بوصية قصيرة فألزمها قال : لا تغضب. يا معاوية ابن حيدة ان الغضب يفسد الايمان كما يفسد الصبر العسل. كلمة واحدة ان عمل بها الانسان فاز وسعد وان ترك هذه الوصية شقي شقاوة في الدنيا والاخرة. كل انسان كل شيء في هذا الوجود كله خلق من جزئين وكذلك الانسان خلق فيه طبعين الفرح والسرور والغضب والحزن. فإن فرح العبد كان من علامة رضاء الله عليه. وان حزن وغضب وتكلم بما لا يليق كان من علامة السخط عليه فإما فرح برضاء الله واما غضب بسخط الله نسأل الله العفو والعافية .

نحن لا نزال في خطايا اللسان، هذا العدو المختبىء الذي يحمله كل إنسان، كل منا يحمل عدوه وهو لا يشعر به. عدوك يتمنى قتلك وبقتلك تدخل الجنة لانك تموت شهيداً أما هذا العدو يريد خلودك في نار جهنم وعذابك العذاب الدائم (فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى* لاَ يَصْلاهَآ إِلاَّ الأَشْقَى) فهذا العدو صغير حجمه كبير فعله هو اللسان قطعة لحم صغيرة في الانسان يتحقق فيها العذاب الدائم في نار جهنم حتى تلحقه شفاعة الشافعين فمن خطايا اللسان خوض الانسان في الكلام الباطل، نحن تقدم معنا عن اللغو، ان المؤمن لا يتكلم كلام اللغو وكلام اللغو هو الذي لا منفعة فيه ولا مضرة نهى الدين عنه مع انه لا ينفع ولا يضر كما يقول الانسان رأيت من عشر سنين رأيت منام ولغاية الآن أتذكره يحكي المنام، هذا كلام لغو لان المنام خيال من عشر سنين لم يعد له فائدة لا يزال يذكره

قال النبي ﷺ لابي ذر رضي الله عنه : ستة ايام ثم اعقل يا ابا ذر ما يُقال لك بعد فلما كان اليوم السابع قال اوصيك بتقوى الله في سر امرك وعلانيتك واذا اسأت فأحسن ولا تسألن احداً شيئاً وان سقط سوطك ولا تقبضنّ امانة ولا تقضي بين اثنين. ﷺ خمس وصايا وصى النبي ﷺ فيها سيدنا ابا ذر رضي الله عنه وارضاه وهذه الوصايا ما اوصاه بها مباشرة الا بعد استعد ستة ايام علمه اليوم السابع.. وهنا السر انتظار الستة ايام.. ثم اعقل يا ابا ذر ما يقال لك بعد.. يعني تهيأ للعلم وتهيأ لما تسمع للعمل لتكون على مستوى العمل لا على مستوى السماع

تتمّة لحديث البارحة عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : أمرني رسول الله ﷺ بثلاثٍ ونهاني عن ثلاث.. أمرني بركعتي الضّحى كل يوم والوتر قبل النوم وصيام ثلاثة أيام من كل شهر.. ونهاني عن نقرةٍ كنقرة الديك وإقعاءٍ كإقعاء الكلب وإلتفات كإلتفات الثعلب.. تقدم معنا في درس سابق عن الثلاث الاولى عن ركعتي الضحى والوتر قبل النوم وصيام ثلاث ايام من كل شهر شرحناها في درس سابق.. فاليوم سنأخذ نهاني عن ثلاث.. والنهي يقتضي التحريم.. يعني اذا فعل الانسان واحدة من هؤلاء يرتكب كراهة التحريم.. وكراهة التحريم في الصلاة اعادتها افضل.. يجب ان يعيد الصلاة ما دام الوقت باقياً.. هذه كراهة التحريم. والمكروهات 77 مكروه في الصلاة

عن ابي ذر رضي الله عنه قال : اوصاني خليلي ﷺ بأربع كلمات هنّ احب اليّ من الدنيا وما فيها قال لي: يا ابا ذر أحكم السفينة فإنّ البحر عميق واستكثر الزاد وفي رواية واكثر الزاد فإن السفر طويل وخفّف الحِمل فإن العقبة كؤود وأخلص العمل فإن الناقد بصير. الناقد هو الله تعالى.. يعني فإن الله بصير.. هذه وصية النبي ﷺ لسيدنا ابي ذر وهي لكل مسلم ومسلمة في هذه الحياة.. النبي ﷺ شبّه الحياة الدنيا ببحر عميق تغرق فيه كثير من السفن لأن شهوات الدنيا وملذات الدنيا هي التي ينسحر بها كثير من الخلق ومتى تعلق الانسان بالدنيا وبما فيها غفل عن الله ونسي كتاب الله وخالف شرع الله وارتكب المحرمات فالدنيا هي سبب البلاء كله

كان النبي ﷺ جالساً في مسجده فدخل رجل فوقف فصلى ركعتين لكنه استعجل بهما ثم اتى الى النبي ﷺ فسلّم على النبي ﷺ فقال النبي له : وعليك السلام ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِ .. ورجع الرجل فصلى ركعتين مثل الركعتين الاولى ثم اتى فسلم على النبي ﷺ فقال النبي له : وعليك السلام ارجع فصلِّ فانك لم تصلِ.. ثم رجع فصلى ركعتين كالماضيتين.. ثم اتى فسلم.. فرد النبي عليه السلام وقال له: ارجع فصلِّ فانك لم تصل.. فقال : يارسول الله والله لا احسن غير هذا.. يعني لا اعرف غير هذه الصلاة فعلمني.. فقال ﷺ: اذا ركعتَ فاطمئن راكعاً واذا رفعت فاطمئن رافعاً واذا سجدت فاطمئن ساجداً وهكذا افعل في كل صلاتك..فلمَ النبي لم يقل له من اول

نحن بدأنا بالحديث الذي يجمع ثلاث حقوق حق الله وحق الانسان وحق العباد وهو قوله ﷺ "اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن".. من حافظ الحديث .. حافظينه؟ اقرؤوه لي لنرى .. وفقكم الله هذا حفظ الالفاظ.. الله عز وجل يكتب لنا حفظ المعاني والعمل بها.. اذاً اليوم بحثنا "وخالق الناس بخلق حسن" وهذا حق من حقوق العباد.. كما ان لله على المسلم حق كذلك لنفسه عليه حق وكذلك للخلق لهم عليه حق.. فلا يظن ان الانسان اذا صلى وصام وقرأ القرآن انه ادى ما عليه لا بد من اداء حق نفسه وحقوق العباد.. فلو تعبد كعبادة نوح وعمر نوح ولم يؤدِ حق العباد فليس له يوم القيامة من مكانة ولا منزلة..لعل ان تذهب حسناته كلها لحقوق العباد..

افتتحنا البارحة بتوفيق الله عز وجل وصية النبي ﷺ لمعاذ ابن جبل فأخذنا منها الفقرة الاولى وهي قول الرسول المصطفى ﷺ : اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن.. فكان بحث البارحة هو تقوى الله وبحثكم اليوم اتبع السيئة الحسنة تمحها.. الله عز وجل خلق من كل شيء زوجين .. كل شيء في هذا الوجود مركب من شيئين ليل ونهار قوة وضعف صحة ومرض صغر وكبر وهكذا كل شيء.. كذلك جعل الله من الزوجين السيئات والحسنات وجعل الانسان في هذه الحياة مختار غير مجبر مختار يفعل ما يريد وحسابه يوم القيامة عند ربه.. فان اختار الصالحات اثابه الله عليها وجزاه الله عليها خيراً.. وان عمل السيئات جازاه بها وحاسبه وكان له يوم القيامة العذاب على قدر ذنوبه وسيئاته فالانسان باختياره يفعل الحسنات ويفعل السيئات.. لا يظن انسان ان السيئة كما يظن البعض قُدّرت عليه يعني كُتبت عليه